لقد اختصكم الله - أيها المؤمنون - بشرع الكمال والجمال دون غيركم، رحمة منه بكم وتفضيلًا وتكريمًا، فاحرصوا على هذا الدين وأقيموه في حياتكم فهو سرّ سعادتكم.
قال ابن جرير: (تعريضٌ من الله تعالى ذكره بأهل الكتاب: أن الذي آتى نبيه محمدًا - ﷺ - والمؤمنين به من الهداية، تَفَضُّل منه، وأنّ نعمه لا تدرك بالأماني، ولكنها مواهبُ منه يختص بها من يشاء من خلقه).
١٠٦ - ١٠٧. قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٠٦ - ١٠٧].
في هذه الآيات: إثبات نسخ بعض الآيات بحكمة الله تعالى، فهو الملك الحكيم العلم القدير، وما لكم معشر المؤمنين من دون الله من ولي ولا نصير.
قال ابن عباس: (﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾، يقوله: ما نبدِّل من آية). وقال السدي: (أما نَسخها، فقبضها). وقال مجاهد: (نثبت خَطَّها، ونبدل حكمها).
وأصل النسخ من "نسخ الكتاب"، وهو نقله من نُسخة إلى أخرى غيرها. ومثله يكون نسخ الحكم إلى غيره، وهذ المعنى يشمل التفاسير الثلاثة السابقة.
قال ابن جرير: (﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾: ما ننقُلْ من حُكْم آية، إلى غيره فنبدله ونغيره. وذلك أن يحوّل الحلال حرامًا، والحرام حلالًا، والمباح محظورًا، والمحظور مباحًا. ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة، فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ).
وقوله: ﴿أَوْ نُنْسِهَا﴾.
قرئ على وجهين: "نَنسأَها" و"نُنْسها". فالأولى قراءة جماعة من الكوفة والبصرة.
والثانية قراءة أهل المدينة والكوفة.
١ - فعلى القراءة الأولى يكون المعنى: نؤخرها. قال ابن عباس: (﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ يقول: ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدّلها).