٣ - وقال السدي: (يقول: نأت بخير من التي نسخناها، أو مثل التي تركناها).
٤ - وقال مجاهد: (كان عبيد بن عمير يقول: ﴿نُنْسِهَا﴾: نرفعها من عندكم، نأت بمثلها أو خير منها).
و﴿نَأْتِ﴾ جواب الشرط، و ﴿نُنْسِهَا﴾ عطف على ﴿نَنْسَخْ﴾، وحذفت الياء للجزم.
قال القرطبي: (وهذه آية عظمى في الأحكام. وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك، وقالوا: إن محمدًا يأمر أصحابه بشيء ثمَّ ينهاهم عنه، فما كان هذا القرآن إلا من جهته، ولهذا يناقض بعضه بعضًا، فأنزل الله: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ وأنزل ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾).
ثمَّ قال: (معرفة هذا الياب أكيدة وفائدته عظيمة، لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام. روى أبو البَخْتَرِيّ قال: دخل عليّ - رضي الله عنه - المسجد فإذا رجل يخوّف الناس، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجلٌ يُذكّر الناس، فقال: ليس برجل يذكّر الناس! لكنه يقول أنا فلان بن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ ! فقال: لا، قال: فاخرج من مسجدنا ولا تُذَكِّر فيه. في رواية أخرى: أعلمتَ الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكتَ وأهلكتَ).
ثمَّ ذكر خلاصة مَفهوم النسخ في كلام العرب وأنه على وجهين:
الوجه الأوّل: النقل، كنقل كتاب من آخر. وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخًا، أي من اللوح المحفوظ وإنزاله إلى بيت العِزّة في السماء الدنيا، وهذا لا مدخل له في هذه الآية، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٩] أي نأمر بنسخه وإثباته.
الوجه الثاني: الإبطال والإزالة، وهو المقصود هنا، وهو منقسم في اللغة على ضربين: أحدهما: إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه، ومنه نسخَتِ الشمسُ الظلَّ إذا أذهبته وحلّت محله، وهو معنى قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾. وفي صحيح مسلم: [لم تكن نبوة قط إلا تناسخت]، أي: تحولت من حال إلى حال، يعني أمر الأمّة. قال ابن فارس: النسخ نسخ الكتاب، والنسخ أن تزيل أمرًا


الصفحة التالية
Icon