أخيك المسلم، لتعود إليك أو لا تعود، وقد ذمّ الله هذا النوع بقوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.
قال القرطبي: (وإنما كان مذمومًا لأنَّ فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق).
وأما المحمود فهو بمعنى الغبطة. وهو تمني الحصول على النعمة التي على أخيك دون أن تزول عنه. فإن كان في العمل الصالح والمعالي فهو من المنافسة المحمودة كما قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: ٢٦] فيجوز تسميته بالمنافسة. وقد صنف الإمام البخاري في صحيحه بابًا سمّاه: "باب الاغتباط في العلم والحكمة"، وبابًا سماه: "باب اغتباط صاحب القرآن"، روى فيه عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [لا حَسَدَ إلا على اثنتين، رجُلٌ آتاه اللهُ الكتابَ وقام به آناءَ الليل، ورجلٌ أعطاه الله مالًا فهو يتصدّق به آناء الليل وآناء النهار] (١).
وكذلك روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - ﷺ - قال: [لا حَسَدَ إلا في اثنتين: رَجُلٌ عَلّمَهُ الله القرآنَ فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمِعَهُ جارٌ له فقال: ليتني أُوتيتُ مِثْلَ ما أوتِيَ فلانٌ فَعَمِلْتُ مِثلَ ما يَعْمَلُ، ورجل آتاه الله مالًا فهو يُهلِكُهُ في الحق، فقال رجل: لَيْتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعملتُ مثلَ ما يعمل] (٢).
وقوله: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
يشبه قوله تعالى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦].
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن عروة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبرهُ، قال: [كان رسول الله - ﷺ - وأصحابُه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى. قال الله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وكان رسول الله - ﷺ - يتأول من العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم بالقتل، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش] (٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة. انظر صحيح البخاري - حديث رقم - (٥٠٢٦)، كتاب فضائل القرآن. الباب السابق.
(٣) صحيح الإسناد، أورده ابن كثير في التفسير (٥٦٤) في سورة البقرة، آية (١٠٩). من حديث عروة.