عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: ١١٣]، يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق).
وقال الضحاك فيها: (لا ينال عهدي عدوٌّ لي يَعْصيني، ولا أَنْحَلُها إلا وليًّا لي يطيعني).
وخلاصة القول: إن الآية تحتمل في مفهومها كل ما سبق، فلا ينال النبوة أهل الظلم والشرك، كما لا يكون ظالم إمامًا للمسلمين يقتدى به، فإن ظهر وتغلب فلا طاعة إلا بالمعروف، ولا أمان لظالم في الآخرة، ودين الله لا ينال الظالمين.
قلت: وفي الآية نكتة بديعة من نكت علم السياسة الشرعية. فقوله تعالى: ﴿لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ دليل على أن العدل والعلم بالكتاب والسنة شرط من شروط اختيار المسلمين للإمام الأعظم، فلا بد للحاكم أو الخليفة من العلم بالعدل الذي دلّ عليه الكتاب والسنة الصحيحة، وأن يكون ممن يمتثلون ذلك في حياتهم وسيرتهم ورعايتهم.
فإن حصل وتغلب الظالم وظهر على الأمة فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث علي - رضي الله عنه -: [أن النبي - ﷺ - بعثَ جيشًا وأمَّرَ عليه رجلًا، فأوقد نارًا وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها. وقال آخرون: إنما فررنا منها. فذكروا للنبي - ﷺ - فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة. وقال للآخرين: لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف] (١).
قال ابن خُوَيْزٍ مَنْداد المالكيّ: (الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكمًا ولا مفتيًا ولا إمام صلاة ولا شاهدًا ولا راويًا).
وأصل "الذّرية" من الذَّر. قال القرطبي: (لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم عليه السلام كالذَّرِ حين أشهدهم على أنفسهم). وقيل: بل هو مأخوذ من ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا خَلَقهم، ومنه الدرية وهي نسل الثقلين. وقال الخليل: (إنما سُمُّوا ذُرِّية، لأنَّ الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر).