سمعت هذا من رسول الله - ﷺ -، ما أرى رسولَ الله - ﷺ - تَرَك استِلامَ الرّكْنين اللّذين يليان الحِجْرَ إلا أن البيت لم يتمَّم على قواعد إبراهيم] (١).
وفي صحيح البخاري عن عائشة -أيضًا- رضي الله عنها قالت: [قال لي رسول الله - ﷺ -: [لولا حداثَةُ قومِكِ بالكفر لنقضتُ البيتَ ثمَّ لبَنَيْتُهُ على أساس إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسلامُ، فإن قُرَيشًا استَقْصَرَتْ بناءَه وجعلت له خَلْفًا. قال أبو معاوية: حَدَّثنا هشام: خلْفًا يعني بابًا] (٢).
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها: [أن النبي - ﷺ - قال لها: "يا عائشةُ، لولا أن قومَك حديثُ عهدٍ بجاهلية لأمَرتُ بالبيت فَهُدِمَ فأدخلت فيه ما أُخرِج منه، وألزقته بالأرض، وجعلتُ له بابين، بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا، فبلغت به أساس إبراهيم". فذلك الذي حمل ابنَ الزبير على هدْمه. قال يزيد: وشهدت ابنَ الزبير حين هدمه وبناه، وأدْخَلَ فيه من الحِجْرِ، وقد رأيت أساسَ إبراهيمَ حجارة كأسنمة الإبل، قال جرير: فقلت له: أين مَوضِعُهُ؟ قال: أُريكَهُ الآن، فَدَخَلْتُ معه الحِجْرَ فأشار إلى مكانٍ فقال: ها هُنا. قال جرير: فَحَزَرْتُ من الحِجر ستَّةَ أذرُع أو نحْوها] (٣).
وقوله: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾.
فهما في عمل صالح، ومع ذلك فهما يخافان الله ألا يتقبل، فيلجآن إليه بالدعاء أن يمتن سبحانه بالقبول.
يروي ابن أبي حاتم عن وُهَيْب بن الورد: (أنه قرأ: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقَبَّلَ منك).
وهذه الآية كقوله تعالى في سورة "المؤمنون": ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾. أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات وقلوبهم خائفة أن لا يتقبل منهم.

(١) حديثٌ صحيحٌ. انظر صحيح البخاري (٤٤٨٤)، كتاب التفسير. وانظر (١٢٦) كتاب العلم.
(٢) حديثٌ صحيحٌ. انظر صحيح البخاري (١٥٨٥)، كتاب الحج، وانظر (١٥٨٤)، (١٥٨٣).
(٣) حديثٌ صحيحٌ. انظر صحيح البخاري (١٥٨٦)، كتاب الحج. وانظر صحيح مسلم (١٣٣٣).


الصفحة التالية