الله عنها تقول: إن النبي - ﷺ - قال: "لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يُقَوِّي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحِجْر خمسة أذرع، ولجعلت له بابًا يدخل الناس منه، وبابًا يخرجون منه". قال: فأنا أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمسة أذرع من الحجر، حتى أبدى له أُسًّا نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعًا، فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عَشْرة أذرع، وجعل له بابين، أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلما قتل ابن الزبير، كتب الحجّاج إلى عبد الملك يُخْبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العُدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاده في طوله فَأقِرَّه. وأما ما زاد فيه من الحِجر فَرُدَّهُ إلى بنائه، وسُدَّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه] (١).
وأما قريش فقد كانت رفعت بابها كبرًا وبغيًا وتحكمًا بالبيت ألا يدخلها إلا من أرادوا. ففي رواية للحديث السابق: [قال النبي - ﷺ -: وهل تدرينَ لم كان قومُكِ رفعوا بابها؟ قالت: قلت: لا، قال: تَعَزُّزًا أن لا يدخلَها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أرادَ أن يدخُلَها يدعُونَه يرتقي، حتى إذا كادَ أن يدخُلَ دفعوه فسقط].
ثم إن عبد الملك ندم على ما فعل، لما جاءه من يؤكد له حديث عائشة، وكان عبد الملك يزعم أن ابن الزبير لم يسمع ذلك من عائشة.
ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عُبيد قال: [وَفَدَ الحارثُ بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خِلافته، فقال عبد الملك: ما أظنُّ أبا خُبَيْبٍ يعني ابن الزبير سمعَ من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى! أنا سَمِعْتُهُ منها، قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله - ﷺ -: "إن قومك استقصروا من بُنْيان البيت، ولولا حداثَةُ عَهْدِهم بالشِّرك أعدْتُ ما تركوا منه، فإن بدا لِقومك، مِن بعدي، أن يبنُوه فَهَلُمِّي لأُرِيك ما تركوا منه". فأراها قريبًا من سبعة أذرع.
قال عبد الملك للحارث: أنت سَمِعْتَها تقولُ هذا؟ قال: نَعَم، قال: فنكت ساعةً بعصاه ثم قال: وَدِدْتُ أني تَرَكْتُهُ وما تَحمَّل] (٢).
وفي رواية: (قال: لو كنتُ سَمِعْتُهُ قبل أن أهْدِمَهُ، لتركتُهُ على ما بنى ابن الزبير).
(٢) حديثٌ صحيحٌ. انظر صحيح مسلم -حديث رقم- (١٣٣٣) ح (٤٠٣). كتاب الحج.