وقد كره بعض العلماء تغيير الحال مرة أخرى في شأن الكعبة، كما ذُكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد أو أبيه المهدي -أنه سأل الإمام مالكًا عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله ابن الزبير. فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة الله مَلْعَبَةً للملوك، لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها. فترك ذلك الرشيد. نقله عياض والنَّووي- كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، ثم قال: (ولا تزال -والله أعلم- هكذا إلى آخر الزمان، إلى أن يخرِّبَها ذو السُّوَيقتين من الحبشة. كما ثبث ذلك في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يُخرِّب الكعبة ذو السُّوَيقتين من الحبشة] (١). أخرجاه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - ﷺ -: [كأنى به أسودَ أفحَجَ، يقلعها حجرًا حجرًا] (٢). رواه البخاري).
والحديث السابق له شاهد في مسند أحمد ومعجم الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [يُخَرِّبُ الكعبة ذو السُّوَيقتين من الحبشة، ويسلبها حِلْيَتَها، ويُجَرِّدُها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أُفَيْدَع يضرب عليها بمسحاته ومعْوَلِه] (٣).
والفَدَعُ: زيغٌ بين القدم وعظم الساق. والمسحاة: المجرفة من الحديد. والمعول: الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر. ورجّح ابن كثير أن هذا الخراب للكعبة إنما يكون بعد خروج يأجوج ومأجوج، محتجًا بما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لَيُحَجَّنَ البيت وَلَيُعْتَمرَنّ بعد خروج يأجوجَ ومأجوج] (٤).
وقوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: تقبل منا إنك سميع الدعاء).
وقوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾.
قال ابن جرير: (يعنيان بذلك: واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك،
(٢) حديثٌ صحيحٌ. أخرجه البخاري -حديث رقم- (١٥٩٥) - والأفحج: الذي في رجليه اعوجاج. وقيل: الفحج: تباعد ما بين الساقين.
(٣) حسن لشواهده. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢٢٠)، والطبراني كما في المجمع (٧/ ٢٩٨).
(٤) حديثٌ صحيحٌ. أخرجه البخاري في الصحيح (١٥٩٣) في كتاب الحج، ورواه أحمد (٣/ ٢٧).