الأول: أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدًا - ﷺ - نبيّ علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به.
الثاني: أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم، فصاروا عالمين بجواز القبلة.
قلت: وقد يكون تحويل القبلة مذكورًا في كتبهم أنه سيكون في حياة النبي محمد - ﷺ - ولكنهم يتكاتمونه بغيًا وحسدًا. فإن الآية تحتمل مثل هذا التأويل.
وقوله: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.
تهديد ووعيد لمن جحد وأنكر منهم واستكبر. فهو إعلام بأن الله تعالى لا يغفل عن أعمال العباد ولا يُهملها وسيكشفها لهم يوم يلقونه.
١٤٥. قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)﴾.
في هذه الآية: الكفر والعناد والمكر متأصل في يهود، لأنهم كفروا وقد تبيّن لهم الحق. فلا تنفعهم الآيات والعلامات ولو جئتهم بكلِّ دليل على النبوة والوحي والحقُّ. كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧]. وفي الآية تحذير شديد من أتباع أهواء أهل الكتاب.
وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ].
إخبار عن صدق متابعة الرسول - ﷺ - لأوامر الله وشدة تمسكه بها. قال ابن كثير: (كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم، فهو أيضًا مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته، وأنَّه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله، وما كان متوجهًا إلى بيت المقدس لكونها قبلة اليهود، وإنما ذلك عن أمر الله تعالى).


الصفحة التالية
Icon