وقوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)﴾.
الخطاب للرسول والمراد به الأمة. فإن زلة العالم ليست كزلة غيره.
قال الراغب: (نبه أن اتباع الهوى بعد التحقق بالعلم يدخل متحريه في جملة الظلمة. قال: فذو المنزلة الرفيعة إلى تحذير الإنذار عليه أحوج، حفظًا لمنزلته وصيانة لمكانته).
وقال القاسمي: (دلت الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم. لأن قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ يدل على ذلك. ذكره الرازي).
أخرج الدارمي في سننه بسند جيد عن زياد بن حُدَيْر قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدمُ الإسلام؟ قال: قلتُ: لا. قال: (يهدمه زلّةُ العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين).
١٤٦ - ١٤٧. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)﴾.
في هذه الآيات: المراد علماء اليهود وأحبارهم، وعلماء النصارى، يعرفون صحة ما جاء به محمد - ﷺ - كما يعرف أحدهم ولده، فالحذر كل الحذر من تقليدهم في اتباعهم الهوى.
قال قتادة: (﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾، يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة). وقال السدي: (يعرفون الكعبة هي قبلة الأنبياء، كما يعرفون أبناءهم).
قال ابن كثير: (والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا). يعني هو صحيح كمعرفة الأب بولده. قال القرطبي: (ورُوي أن عمر قال لعبد الله بن سَلام: أتعرفُ محمدًا - ﷺ - كما تعرف ابنك؟ فقال: نعم وأكثر، بعث الله أمينَه في سمائه إلى


الصفحة التالية
Icon