وما فيها من خيالات وشطحات خطيرة، فهو منهج الدمار الذي لحق بالمسلمين، وهو منهج التفلت والخصوع للأهواء والشهوات ليأتي التفسير بذلكَ تخبطًا وليفرز إلى واقع الحياة إسلامًا لا تكاليف فيه، ودينًا متماشيًا مع مغريات الحياة والاختلاط وتفلت الناس من كل قيد، وتحكيم الشهوات والملذات غير المنضبطة عن طريق إلقاء الشبهات والكلام في القرآن بغير علم، وما زالت الأمة تدفع الثمن إلى يومنا هذا بسبب محاولة عزل منهج النبوة عن واقع الحياة.
وقد ذهب الإمام الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أئمة الحديث إلى إن علم الجدل والكلام بدعة وحرام، محتجين بقوله عليه السلام الذي رواهُ مسلم عن ابن مسعود: [هلك المتنطعون]-أي المتعمقون بالبحث والاستقصاء دون منهج ومثل أعلى- وكلما بَعُدَ العهد، ظهرت البدع وكثر التحريف الذي سمّوهُ تأويلًا ليُقبل منهم، وَقَلَّ من يهتدي للفرق بين التحريف والتأويل، وهنا راج الفساد. وقد بدأ التخلف في الأمة يوم أصغى بعض المسلمين إلى شبه المبطلين وخاضوا في الكلام المذموم الذي حذّر منه وعابه السلف ونهوا عن النظر فيه والاشتغال به وبعلومه أو الإصغاء إليهِ امتثالًا لأمر ربهم جل ثناؤه في سورة الأنعام: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ فإن معنى الآية يشملهم.
وإنما الواجب على الأمة وعلمائها وقادتها، العلم بما جاء به النبي - ﷺ - فهو كافٍ وكامل، ويدخلُ فيه كل حق ولا تنقصه حكمة ولا فائدة ولا وجه من وجوه الخير، وإنما وقع التقصير في كثير من المنتسبين إليه فلم يعلموا ما جاء بهِ وسول الله - ﷺ - في كثير من الأمور الغيبية وإلإيمانية، ولا في كثير من المسائل العبادية، ولا في كثير من مسائل الإمارة والحكم بالشريعة في مختلف الأحوال السياسية، ولم يخصصوا الوقت لذلكَ لفهم المنهج الذي حفظه الله في معرفة دلالات وتفاسير آياته القرآنية والنصوص النبوية، بل فُتِنوا بالأجنبي وفنونه كما فتنت الأمة اليوم بهِ، وأصبحت خجلة من دينها وأَصولها، يحاول أبناؤها تطعيم الإسلام وأصوله وأحكامه بمستجدات الواقع الفاسد وانحرافه يريدون ألا يشعروا بالغربة، ولسان حالهم يقول: إن الإسلام يتسع لكل الفنون ولكل ألوان الحضارة، وَلَيْتَهُم فرقوا بذلكَ بين ما يرضي الله وبين ما يسخطه، فإذا ظهر في الحياة ما يخدم الإسلام ومستقبله رحب به الشرع ما دام كان سبيله مشروعًا، وإذا ظهر من الصرعات و"الموضات" ما تخدم الشيطان وأهواء أتباعهِ أغلق الإسلام عليهِ بابه تعففًا وترفعًا، فإن الطهارة لا تشبه النجاسة.