مِنْ رَبِّكُمْ}، يقول: خفف عنكم، وكان على مَنْ قبلكم أنَّ الدية لم تكن تقبل، فالذي يقبل الدية ذلك منه عفوٌ).
وقال قتادة: (لم يكن لمن قبلنا دية، إنما هو القتل، أو العفو إلى أهله).
فائدة: ذهب مالك وأبو حنيفة والأوزاعي أنه إذا قُتل الرجل أو المرأة وله أولاد كبار وصغار أن للكبار أن يقتلوا القاتل ولا ينتظر بلوغ الصغار.
وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
أي: اعتدى بالقتل وغيره بعد أخذه الدية.
قال مجاهد: (﴿فَمَنِ اعْتَدَى﴾، بعد أخذ الدية، ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾).
وقال قتادة: (هو القتل بعد أخذ الدية).
وأما العذاب الأليم، فهو القتل في عاجل الدنيا. وقيل هو عذاب الآخرة. وقيل هي عقوبة يقدرها السلطان. فالأول قاله عكرمة، والثاني ذكره ابن كثير، والثالث ذكره ابن جريج.
وقال الحسن: (تؤخذ منه الدية التي أخذ، ولا يُقتل به). وذلك في رجل قَتل فأخذت منه الدية ثم إن وليه قتل القاتل.
وقال مالك والشافعي: هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة. وقال قتادة والسُّدي: عذابه أن يُقتل البتة، ولا يمكِّن الحاكمُ الوليَ من العفو.
فائدة: إذا عفا ولي الدم عن القصاص والدية أطلق القاتل كما ذهب الشافعي وأحمد. أما إن كان مشهورًا بالقتل فللحاكم أن يؤدبه بشيء يزجره. ويه قال أبو ثور وأشار إلى حبسه - واستحسنه القرطبي.
وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
قال مجاهد: (نكالٌ، تَناهٍ).
وقال قتادة: (جعل الله هذا القصاص حياة، ونكالًا، وعظةً لأهل السفه والجهل من الناس. وكم من رجل قد هَمَّ بداهية، لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حَجز بالقصاص بعضهم عن بعض، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة، ولا نهى الله عن أمرٍ قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين، والله أعلم بالذي


الصفحة التالية
Icon