فكان مخيَّرًا بين الصيام والإطعام، وذلك في بداية الإسلام. ورجح الله سبحانه أن الصيام أفضل الاختيارين بقو له: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾.
قال مجاهد: (من الإفطار والفدية).
ويبدو أن حكم الفدية لمستطيع الصوم قد نستن بالقرآن، بقوله تعالى في الآية بعدها: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. وبقيت الآية الأولى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ دون نسخ في حق من لا يستطيع الصوم. وقد عرف ذلك ابن عباس من السنة لا من القرآن.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عطاء: أنَّه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قال: [ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا] (١).
وفي رواية عزرة، فصّل ابن عباس بقوله: [أن الآية نزلت في الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان (٢) - أي يستطيعان - الصوم ثم نسخت. قال: وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينًا].
إذن، يبدو في التحقيق الحديثي أن الآية تعرضت لنسخ جزئي، فمن استطاع الصيام صغيرًا كان أو كبيرًا، شيخًا أو عجوزًا، ذكرًا أو أثنى، وجب عليه الصيام ولا رخصة، وأما من عجز عنه فله الفدية.
ويؤيد هذا ما أخرج الستة إلا ابن ماجة عن سلمة بن الأكوع قال: [لما نزلت: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ كان من أراد أن يُفطرَ ويفتدي فعل حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها] (٣).
قلت: وهذه خلاصة مفيدة جدًّا في فهم هذه الآية وعلاقتها بما بعدها، فإن صفحات كثيرة جدًّا قد ضمتها كتب الفقه والتفسير لا تكاد تصل معها إلى مخرج وفهم يريح من عناء الاختلاف، فلله الحمد والمنة.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٥٠٥)، كتاب التفسير.
(٢) فالشيخ المستطيع والعجوز المستطيعة يجب الصيام في حقهما ولا رخصة.
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٤٥٠٧)، كتاب التفسير. ورواه مسلم وأكثر أهل السنن.


الصفحة التالية
Icon