فنزلت في قوم كانوا يحجون بغير زاد، وكان بعضهم إذا أحرم رمى بما معه من الزاد واستأنف غيره من الأزودة، فأمر الله جلّ ثناؤه من لم يكن يتزود منهم بالتزود لسفره، ومن كان منهم ذا زاد أن يتحفظ بزاده فلا يرمي به.
فعن مجاهد: (﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، قال: كانوا لا يتزودون، فأمروا بالزاد، وخيرُ الزاد التقوى).
وعن الحسن: (إن ناسًا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون ولا يتزودون، فأمرهم الله بالنفقة والزاد في سبيل الله، ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى).
وقوله: ﴿وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
يعني: يا أهل العقول والأفهام، فإن طاعة الله سبحانه هي سر سعادة الأنام، وبدونها يتردى المرء إلى دون مرتبة الأنعام.
١٩٨. قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)﴾.
في هذه الآية: تشريع ذكر الله عند المشعر الحرام -وهو جبل بالمزدلفة- بعد الإفاضة من عرفات والمبيت بمزدلفة.
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس، قال: [كانت عكاظُ ومَجَنَّةُ وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة، فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ في مواسم الحج].
وفي رواية: [فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ في مواسم الحج] (١).
وعن مجاهد، عن ابن عباس، قال: (كانوا يتَّقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، يقولون: أيامُ ذِكْر، فأنزل الله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾) رواه أبو داود وغيره.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٧٧٠)، كتاب الحج، وانظر (٢٠٥٠)، (٢٠٩٨)، (٤٥١٩).


الصفحة التالية
Icon