وقوله: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾.
قال ابن كثير: (تنبيهٌ لهم على ما أنْعَمَ الله به عليهم، من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحج، على ما كان عليه إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ قيل: من قبل هذا الهدى، وقيل: القرآن، وقيل: الرسول، والكل متقارب ومتلازم وصحيح).
قلت: إن الوقوف بعرفة هو سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ورثته منه هذه الأمة، ثم إن الله سبحانه قد تفضل على الحجاج في عرفة ومزدلفة بالمغفرة، رحمة منه وكرمًا، وهذا من أفضل الهداية التي تستحق شكره سبحانه.
ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مِرْبع الأنصاري قال: إن رسول الله - ﷺ - قال: [قِفُوا على مشاعركم هذه، فإنكم على إرْثٍ من إرْثِ أبيكم إبراهيم] (١).
وفي سنن ابن ماجة بسند صحيح عن بلال، أن النبي - ﷺ - قال له غداة جمع: [يا بلال أسكت الناس أو أنْصِت الناس. ثم قال: إن الله تَطَوَّلَ عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسِنِكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله] (٢).
١٩٩. قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)﴾.
في هذه الآية: الخطاب لقريش لحملها على الوقوف بعرفة مع الناس والإفاضة منها، إذ كانوا في الجاهلية يقفون في طرف الحرم عند أدنى الحِلّ، ويقولون: نحن أهل الله في بلدته وقطّان بيته.
روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: [أن هذه الآية نزلت في الحمس:
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة (٢٤٥٠)، وكتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (٣/ ١٧٣٥) لمزيد من التفصيل.