والضحاك وابن زيد والربيع. وفي السكنى خلاف للعلماء كما ذكر القرطبي وابن كثير.
أخرج البخاري عن ابن الزبير قال: [قلت لعثمان: هذه الآية التي في "البقرة": ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ إلى قوله ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تَدَعُها؟ قال: يا ابن أخي لا أغيّر شيئًا منه من مكانه] (١).
وذكر ابن جرير عن مجاهد: (إن هذه الآية محكمة لا نسخ فيها، والعدّة كانت قد ثبتت أربعة أشهر وعشرًا، ثم جعل الله لهن وصية منه سُكْنَى سبعة أشهر وعشرين ليلة، فإن شاءت المرأة سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله عز وجل: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾).
ويؤيد هذا ما أخرج البخاري عن مجاهد: [﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ قال: كانت هذه العدة تعتدّ عند أهل زوجها واجبة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ - إلى قوله - ﴿مِنْ مَعْرُوفٍ﴾. قال: جعل الله لها تمام السّنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾] (٢).
قلت: والجمع بين القولين ممكن، فالعدة الواجبة أربعة أشهر وعشرة أيام، وينفق عليها من ماله وتجب السكنى في منزله الذي مات عنه، فإن رأت إتمام السنة في بيت الزوجية فلها السكنى وصية من الله لأهل الميت، وأما النفقة فلا تجب. ويدل على ذلك الأحاديث التالية:
الحديث الأول: أخرج البخاري عن زينب قالت: وسَمِعْتُ أمَّ سلمةَ تقول: [جاءت امرأة إلى رسول الله - ﷺ - فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي تُوفِّيَ عنها زوجها وقد اشتكت عَيْنَها أَفَنكْحُلُها؟ فقال رسول الله - ﷺ -: لا، مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: لا. ثم قال رسول الله - ﷺ -: إنما هي: أربعة أشهر وعشرًا وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبَعرة على رأس الحول] (٣).
قال البغوي في شرح السنة (٢٣٨٩): (أي كان جلوسها في البيت وحبسها نفسها سنة

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٤٥٣٠) و (٤٥٣٦) عن عثمان به.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٤٥٣١) عن مجاهد.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٥٣٣٦)، كتاب الطلاق، وانظر كذلك: (٥٣٣٨)، (٥٧٠٦).


الصفحة التالية
Icon