دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} أي: وقد أُخذت منا البلاد وسُبيت الأولاد؟ قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَال تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ أي: ما وفوا بما وعدوا، بل نكل عن الجهاد أكثرهم، والله عليم بهم. ذكره ابن جرير والحافظ ابن كثير.
قلت: لقد علّل هؤلاء القوم من بني إسرائيل قبولهم للقتال في سبيل الله لما نالهم من إخراج من الديار وسبي للذرية، وهي نظرة قاصرة فيها تضييق لمعاني الجهاد الرفيعة التي هدفها الأسمى إعلاء كلمة الله في الأرض والحكم بشرعه ومنهاجه، ومن ثم يكون ما دون هذه الغاية بمثابة تحصيلٍ حاصلٍ. فإذا كان همّ المؤمنين من جهادهم هو كسر رؤوس الكفر ومناهجه في الأرض حتى يوحد الله ويعبد لا شريك له، كانت بقية الغايات تبعًا لذلك يشفي بها الله غيظ المؤمنين المجاهدين ويثلج صدورهم.
يروي الطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة، عن النبي - ﷺ - قال: [عليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم] (١).
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عمر، عن النبي - ﷺ -: [إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلًا لا ينزعُهُ حتى ترجعوا إلى دينكم] (٢).
٢٤٧. قوله تعالى: ﴿وَقَال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالوتَ مَلِكًا قَالوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَال إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)﴾.
في هذه الآية. كشف سلوك بعض بني إسرائيل وتنطعهم.
فإنه لما طلبوا من نبيهم تعيين ملك منهم، عيّن لهم رجلًا من أجنادهم اسمه طالوت، قيل: ولم يكن من سبط يهوذا أهل الملك فيهم، بل كان فقيرًا لا مال له يقوم
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٣٤٦٢). انظر صحيح سنن أبي داود (٢٩٥٦).