وقد حَلّقَ ابن جرير رحمه الله في ذكر آفاق النعم التي أحاط الله عبده بها، فقال في تفسيره لـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾: (معنى الحمد لله: الشكر لله خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم، التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق وغذاهم به من نعيم العيش، من غير استحقاق منهم ذلكَ عليه، ومع ما نبَّههُم عليه ودعاهم إليه، مِنَ الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربنا الحمد على ذلكَ كله أولًا وآخرًا).
والرب هو المالك المتصرف، ولغة هو السيد، ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة، كقولهم: (ربّ الدار، رب البيت)، ﴿الْعَالمِينَ﴾ جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله.
قال سعيد بن جبير: (رب الجن والإنس).
وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. مَدْحٌ من الله لنفسه. قال القرطبي: (إنما وصَفَ نَفْسَهُ بالرحمن الرحيم بعد قوله رب العالمين، ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب، كما قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾، وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فالرب فيه ترهيب والرحمن فيه ترغيب).
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد] (١).
وقوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. تمجيد من الله لنفسه ويحبه من عَبْدِهِ.
وقرأها بعض القراء: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ وكلاهما متواتر مشهور.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أم سلمة قالت: [كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم- يُقَطِّعُ

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٤٦٩)، وأخرجه مسلم (٢٧٥٥)، وأحمد في المسند (٢/ ٣٣٤).


الصفحة التالية
Icon