قِراءته يقرأ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ ثم يقف، ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ثم يقف، وكان يقرؤها: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾] (١).
قال الحافظ ابن كثير في التفسير: (وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلكَ عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يَدَّعي أحد هناكَ شيئًا ولا يتكلم أحد إلا بإذنه).
وذلكَ كقوله سبحانه في سورة (هود): ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾. وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول أنا الملك، أين ملوك الأرض]. وفي رواية: [أين الجبارون أين المتكبرون؟ ] (٢).
والدين هو الجزاء والحساب، كقوله تعالى في سورة (الصافات): ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾. وكقوله في سورة (النور): ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. العبادة لغة من الذلة، وطريق معبد أي مذلل، وهي شرعًا ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف.
قال ابن عباس: (يعني إياكَ نوحد ونخافُ ونرجوكَ يا ربنا لا غيرك، وإياكَ نستعين على طاعتكَ وعلى أمورنا كلها).
ويبدو أنا سرَّ الفاتحة هذه الآية، فهي قسمان: الأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من القوة، فهى تجمع أصل الدين، سلامة التوجه والقصد وكمال الطاعة والخضوع، وهذا هو الإسلام: كفر بالطاغوت وإيمان بالله العظيم.
قال ابن كثير: (وقُدِّم المفعول وهو إياك وكُرِّر للاهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكلُ إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة. والدينُ كله يرجع إلى هذين المعنيين. قال: وتحوَّلَ الكلامُ من الغَيْبَةِ إلى المواجهةِ بكاف الخطاب، وهو مناسبة، لأنه لما أثنى على الله فكأنما اقترب وحضر بين يدي الله تعالى، فلهذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (والتحقق بـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٨١٢)، وأخرجهُ مسلم (٢٧٨٧)، ورواه ابن ماجة (١٩٢).