علمًا ومعرفة، وعملًا وحالًا: يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد. فإن فساد القصد يتعلق بالغايات والوسائل. فمن طلب غاية منقطعة مضمحلة فانية، وتوسل إليها بأنواع الوسائل الموصلة إليها، كان كلا نوعي قصده فاسدًا. وهذا شأن كل من كان غاية مطلوبهِ غير الله وعبوديته: من المشركين، ومتبعي الشهوات، الذين لا غاية لهم وراءها، وأصحاب الرياسات المتبعين لإقامة رياستهم بأي طريق كان من حق أو باطل. فإذا جاء الحق معارضًا في طريق رياستهم طحنوه وداسوه بأرجلهم. فإن عجزوا عن ذلكَ دفعوه دفع الصائل. فإن عجزوا عن ذلكَ حبسوه في الطريق، وحادوا عنه إلى طريق أخرى، وهم مستعدون لدفعه بحسب الإمكان وعزله عن التصرف والحكم والتنفيذ، وإن جاء الحق ناصرًا لهم، وكان لهم صالوا به وجالوا، وأتوا إليهِ مذعنين، لا لأنه حق، بل لموافقته غرضهم وأهواءهم وانتصارهم به ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
والمقصود: أن قصد هؤلاء فاسد في غاياتهم ووسائلهم، وهؤلاء إذا بطلت الغايات التي طلبوها، واضمحلت وفنيت، حصلوا على أعظم الخسران والحسرات. وهم أعظم الناس ندامة وتحسرًا، إذا حقَّ الحق وبطل الباطل، وتقطعت بهم أسباب الوصل التي كانت بينهم وتيقنوا انقطاعهم عن ركب الفلاح والسعادة، وهذا يظهر كثيرًا في الدنيا، ويظهرُ أقوى من ذلك عند الرحيل منها والقدوم على الله. ويشتدُ ظهورهُ وتحققه في البرزخ. وينكشف كل الانكشاف يوم اللقاء، إذا حقت الحقائق، وفاز المحقون وخسر المبطلون، وعلموا أنهم كانوا كاذبين، وكانوا مخدوعين مغرورين، فيا لهُ هناك من علم لا ينفع عالمه، ويقين لا ينجي مستيقنه، وكذلكَ من طلب الغاية العليا والمطلب الأسمى، ولكن لم يتوسل إليه بالوسيلة الموصلة له وإليه، بل توسل إليه بوسيلة ظنها موصلة إليه، وهي من أعظم القواطع عنه، فحاله أيضًا كحال هذا. وكِلاهما فاسد القصد، ولا شفاء من هذا المرض إلا بدواء ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
فإن هذا الدواء مركب من ستة أجزاء:
١ - عبودية الله لا غيره.
٢ - بأمره وشرعه.
٣ - لا بالهوى.