جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبَه، ولما أخّرَه رفع رأسه إلى السماء فإذا مثلُ الظلة، فيها أمثال المصابيح، فلما أصبح حدّث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
اقرأ يا ابن حُضير! اقرأ يا ابن حُضير. قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى (وفي لفظ: قد أشفقت يا رسول الله على يحيى) وكان منها قريبًا، فانصرفت إليه، ورفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظُّلّةِ، فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها. قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا. قال: تلك الملائكة دَنَتْ لصوتك، ولو قرأت لأصبحتْ ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم] (١).
وفي لفظ للإمام مسلم: (عَرَجَتْ في الجو، بدل: فخرجت على صيغة المتكلم) (٢).
وفي رواية للإمام أحمد: (اقرأ فلان فإنها السكينة نزلت للقرآن أو عند القرآن).
فلقد نزلت الملائكة لسماع سورة البقرة يقرؤها بعض الأصحاب في جوف الليل حتى دنت بحيث لم تستطع الدابة تحمل نورها، فهاجت ثم سكنت ثم هاجت ثم سكَنت إذ ارتفعت.
الحديث الثالث: يروي الإمام مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، واللفظ له، عن النواس بن سمعان قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شَرْقٌ أو كأنهما فِرْقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما] (٣).
شَرْقٌ: أي ضوء ونور. والفِرْق: طائر، أي طائفتان من الطير.
وله شاهد في صحيح الإمام مسلم أيضًا من حديث أبي أمامة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [اقرؤوا القرآن فإبه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فِرقان من طير

(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٠١٨) تعليقًا، وهو موصول صحيح.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٧٩٦)، وانظر مسند أحمد (٣/ ٨١) للرواية بعده.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (٨٠٥)، ورواه أحمد (٤/ ١٨٣).


الصفحة التالية
Icon