فأما إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادًا وقولًا وعملًا).
وإلى هذا المعنى ذهب أئمة الحديث والفقه وحكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وغير واحد إجماعًا أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وأنه كلمة جامعة للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وتصديق الإقرار بالفعل. فهذا الإيمان يزيد بالطاعات وامتثال أوامر الله وتعظيمها فوق كل أمور الدنيا وما فيها من زينة وولد ومنكح ومشرب وملبس ومطعم، كما قال جل ثناؤه في سورة آل عمران: ﴿الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
وكقوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
وكقوله في آية التوبة: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.
وكذلك في آية الأنفال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
فالمؤمن يزداد إيمانًا بسماع كلام ربه عز وجل وذكر الآخرة وأهوال المحشر، كما يزداد إيمانًا برؤية الصالحين والعلماء الذين يعيشون لخدمة ميراث النبوة والعمل لإقامة أمر الله وحراسة دينه في الأرض، كما يزداد إيمانًا بالعمل الصالح ومباشرة محاب الله عز وجل. وأما فعل المعاصي واجتراح الفواحش والآثام فهو انتقاص من الإيمان وتهديد لبنائه، وبه يخسر المؤمن من إيمانه حسب درجة معصيته.
ففي صحيح أبي داود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه] (١).
وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: [كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا فذكرنا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وما سبقونا به، فقال عبد الله: إن أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانًا أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: