٢ - قال قتادة: (هو القرآن، أنزله على محمد، وفرّق به بين الحق والباطل، فأحلّ فيه حلاله وحرّم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وحذ فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه، وبيّن فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته).
قلت: ولا شك أن الفرقان من أسماء القرآن الكريم، وبه يفرق الله بين الحق والباطل.
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾. قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: (أي: إن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها).
وقد ذكر ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق أن صدر هذه السورة نزل بسبب وفد نجران، وكانوا نصارى وفدوا على رسول الله - ﷺ - بالمدينة في ستين راكبًا، فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلًا، في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يرجع أمرهم: العاقب أميرُ القوم وذو آرائهم واسمه عبد المسيح، والسَّيِّدُ ثِمالهم وصاحب مُجْتَمَعهم واسمه الأيْهم، وأبو حارثة بن عَلْقَمَةَ أخو بني بكر بن وائل أُسقُفْهم وعالمهم، فدخلوا على رسول الله - ﷺ - إثر صلاة العصر، عليهم ثياب الحِبَرات جُبَبٌ وأرْدية. فقال أصحاب النبي - ﷺ -: ما رأينا وفدًا مثلهم جَمالًا وجلالة. وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد النبي - ﷺ - إلى المَشْرِق. فقال النبي - ﷺ -: دَعُوهم. ثم أقاموا بها أيامًا يُناظرون رسول الله - ﷺ - في عيسى ويزعمون أنه ابن الله، إلى غير دْلك من أقوال شنيعة مضطربة، ورسول الله - ﷺ - يردّ عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون، ونزل فيهم صَدْر هذه السورة إلى نَيِّف وثمانين آية، إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله - ﷺ - إلى المباهلة (١).
٥ - ٦. قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)﴾.
في هذه الآيات: يخبر تعالى عباده أنه يعلم السر وأخفى، ويعلم ما في السماوات

(١) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ١٥١ - ١٥٥) عن ابن إسحاق مطوّلًا، عن محمد بن جعفر بن الزبير. وذكره الواحدي في أسباب النزول (١٩٠)، وانظر تفسير القرطبي، (سورة آل عمران آية (٢)).


الصفحة التالية
Icon