وما في الأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
قال قتادة: (﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾: قادر والله ربُّنا أن يصوِّرَ عبادَه في الأرحام كيف يشاء، من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خلقه وغير تام).
وفى الآية تعريض بل تصريح أن عيسى بن مريم عبد مخلوق كغيره من سائر البشر.
قال الربيع: (﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾، أي: أنه صوّر عيسى في الرحم كيف شاء). والمقصود: كيف يكون إلهًا كما زعمت النصارى وقد تقلّب في الأحشاء، وتنقّل من حال إلى حال.
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. تأكيد وتنزيه من الله تعالى ذكره نفسه أن يكون له في ربوبيته ندّ أو مِثل، أو أن تجوز الألوهة لغَيره، وتكذيب منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا. قال الربيع: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره).
٧ - ٩. قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
في هذه الآيات: يبين سبحانه لعباده أن في القرآن آيات محكمات، هن أمّ الكتاب، أي: أصله وثوابته، فإليها المرجع عند التحاكم، وآيات أخرى تحتمل التأويل، فيها اشتباه على كثير من الناس أو بعضهم، وإنما منهج المؤمنين أهل العلم برد المتشابه إلى المحكم لفهمه استنادًا إلى ثوابت الدين ومقاصده وأركانه وقواعده، وسؤال الله الثبات على الحق والهداية والبعد عن الزيغ والفتن، والنجاة يوم يجمع الله عباده ويفصل بينهم، إنه الحق ووعده الحق وهو أرحم الراحمين.


الصفحة التالية
Icon