أخرج البخاري في صحيحه عن ابن أبي مُليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: [تلا رسول الله - ﷺ -، هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قالت: قال رسول الله - ﷺ -: فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم] (١).
وفي لفظ لأحمد: (إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله، فاحذروهم) (٢). وفي لفظ عند الترمذي: (فإذا رَأَيْتيهم فاعْرِفيهم).
وقد ورد في تفسير المحكم والمتشابه أقوال متقاربة، منها:
١ - قال ابن عباس: (المحكمات ناسخه، وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وأحكامه، وما يُؤمر به ويُعمل به). وقال: (المحكمات قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ والآيات بعدها. وقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ إلى ثلاث آيات بعدها).
٢ - قال سعيد بن جبير: (﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يقول: أصل الكتاب، وإنما سماهنَّ أم الكتاب لأنهن مكتوبات في جميع الكتب). وقال مقاتل بن حيان: (لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن).
٣ - وقال يحيى بن يعمر: (الفرائض، والأمر والنهي، والحلال والحرام).
٤ - قال قتادة: (المحكمات: الناسخ الذي يعمل به، ما أحلّ الله فيه حلاله وحرّم فيه حرامه، وأما المتشابهات: فالمنسوخ الذي لا يُعمل به ويُؤمن به).
٥ - قال محمد بن جعفر بن الزبير: (﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾، فيهن حجّة الرب، وعصمةُ العباد، ودفعُ الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عمّا وضعت عليه، ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾، في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد، كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يُصرفن إلى الباطل ولا يحرّفن عن الحق).
٦ - قال مجاهد: (المتشابهات يصدق بعضهن بعضًا). وهذا كما ذكر في تفسير قوله

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٥٤٧)، ومسلم (٢٦٦٥)، وأبو داود (٤٥٩٨)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٦/ ٤٨). قال الحافظ في الفتح (٨/ ٢١٠): (سمع ابن أبي مُليكة من عائشة كثيرًا. وكثيرًا أيضًا ما يدخل بينهما واسطة).


الصفحة التالية
Icon