تعالى: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾، فالمتشابه الكلام يكون في سياق واحد، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين، كصفة الجنة وصفة النار، وذكر حال الأبرار وحال الفجار، ونحو ذلك. وأما ها هنا فالمتشابه الذي يقابل المحكم.
وقوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾. قال مجاهد: (شك). وقال محمد بن جعفر بن الزبير: (أي: ميل عن الهدى). وقال ابن جريج: (﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾، المنافقون). والمقصود: أهل الضلال والخروج عن الحق ومنهاجه إلى سبل الباطل والأهواء والشبهات.
وقوله: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾. يعني ما تشابهت ألفاظه وتصرّفت معانيه بوجوه التأويلات، بهدف التلبيس على ضعاف العلم والمعرفة بالدين.
قال ابن عباس: (﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبِّسون، فلبَّس الله عليهم). وقال مجاهد: (الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه ابتغاء تأويله). وقال محمد بن جعفر بن الزبير: (﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، أي: ما تحرّف منه وتصرف، ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا، ليكون لهم حجة على ما قالوا وشُبْهة). وقال السدي: (يتبعون المنسوخ والناسخ فيقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مكان هذه الآية، فتركت الأولى وعُمل بهذه الأخرى؟ هلّا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى التي نُسخت؟ وما باله يعد العذابَ مَنْ عمل عملًا يعذبه في النار، وفي مكان آخر: مَنْ عمله فإنه لم يُوجب النار).
وقوله: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ فيه أقوال:
١ - قال السدي: (إرادة الشرك).
٢ - قال مجاهد: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾: الشبهات، بها أُهلكوا). أو قال: (والشبهات ما أهلكوا به).
٣ - قال محمد بن جعفر بن الزبير: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾، أي: اللَّبْس). واختاره ابن جرير مع ما قبله. قال الحافظ ابن كثير: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجّة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩] وبقوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]، وغير ذلك من