الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْقٌ من مخلوقات الله، وعبدٌ، ورسولٌ من رسل الله).
وقوله: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾. يعني: ابتغاء تحريفه على ما يريدون. وقال السدي: (يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن). أو قال: (متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ). والمقصود: أنهم يريدون بذلك ما يوافق أهواءهم.
وقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فيه معنيان:
الأول: التأويل بمعنى حقيقة الشيء، وما يؤول أمره إليه من الحقائق الغيبية.
كقوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَال يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ [يوسف: ١٠٠]. وكقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]. والمقصود: حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد.
فبمثل هذه الحقائق التي لا يعلم حقيقة كنهها وظهورها إلا الله، فالوقف هنا على لفظ الجلالة، ثم يستأنف القول: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾.
يروي ابن جرير بسنده عن هشام بن عروة قال: (كان أبي يقول في هذه الآية: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾. وكذلك روى عن عمر بن عبد العزيز يقول: (انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾).
أخرج الطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله - ﷺ - قال: [إن القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه فآمنوا به] (١).
الثاني: التأويل بمعنى التفسير والبيان والإيضاح.
كقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ [يوسف: ٣٦] والمراد بتفسيره. وهذا التعبير عن فهم الآيات مما يعلمه الراسخون في العلم، فهم يدركون فهم ما خوطبوا به، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه. وهنا يسوغ الوقف على قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾.

(١) حديث حسن. رجاله ثقات، انظر مجمع الزوائد (١/ ١٧١)، وتفسير ابن كثير (١٣٦١).


الصفحة التالية
Icon