تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم، حتى يتسقا على معنى واحد، ﴿إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾).
وقوله: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾. أى: لا تصرفها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه إلى الضلال والهوى. ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ تقوي بها إيمان قلوبنا، فلا تهتز أمام الفتن، ولا تضعف أمام الشهوات.
وقوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾. يعني: المعطي، فالثبات والتوفيق والسداد والتصديق بيده سبحانه يهب من ذلك من يشاء.
أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أم سلمة: [أن رسول الله - ﷺ - كان يُكثر في دعائه: اللهم مُقَلِّبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك. قالت: قلت: يا رسول الله، وإن القلب ليتقلّب؟ قال: نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا قلبه بين أُصبعين من أصابع الله عز وجل، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه] (١).
وله شاهد عند ابن جرير عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة، أن النبي - ﷺ - كان يقول: [يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. ثم قرأ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ (٢).
وقوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾. أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم. قال القرطبي: (وفي هذا إقرار بالبعث ليوم القيامة. قال الزجاج: هذا هو التأويل الذي عَلِمه الراسخون وأقرّوا به، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حتى أنكروه).
١٠ - ١١. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١)﴾
في هذه الآيات: يخبر الله سبحانه عن مصير من جحد الحق بعدما تبيّن من أمر نبوة محمد - ﷺ -، من يهود بني إسرائيل ومنافقيهم ومنافقي العرب وكفارهم، وأن ما أوتوه

(١) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٦/ ٣٠٢)، والطبري في التفسير (٦٦٤٨)، وله شواهد.
(٢) حسن الإسناد. أخرجه الطبري في التفسير -حديث رقم- (٦٦٤٧)، ويشهد له أحاديث أخرى.


الصفحة التالية
Icon