في هذه الحياة الدنيا من أموال وبنين ليس بدافع عنهم عذاب الله يوم القيامة، كما لم يدفع ذلك عن فرعون وقومه والطغاة من قبله.
وفى التنزيل: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٥٥]. وقد أخبر النبي - ﷺ - عن مصير بعض المرائين المنافقين من هذه الأمة الذين اتخذوا القرآن وسيلة للكبر والغرور ومصالح الدنيا، بمثل ما أخبر عن الجاحدين السابقين.
فقد أخرج الطبراني في الكبير بسند حسن عن أم الفضل: [أن رسول الله - ﷺ - قام ليلة بمكة، فقال: "هل بلّغت"، يقولها ثلاثًا - فقام عمر بن الخطاب وكان أواهًا، فقال: اللهم نعم، وحَرَصتَ، وجَهِدتَ، ونصحْتَ، فاصبر. فقال النبي - ﷺ -: ليظهَرَنّ الإيمان حتى يُرَدَّ الكفر إلى مواطنه، وليخوضَنّ رجالٌ البحار بالإسلام، وليأتينّ على الناس زمانٌ يقرؤون القرآن، فيقرؤونه ويعلمونه، فيقولون: قد قرأنا، وقد علمنا، فمن هذا الذي هو خير منا؟ فما في أولئك من خير. قالوا: يا رسول الله، فمن أولئك؟ قال: أولئك منكم وأولئك هم وقود النار] (١).
وقوله: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾. قال السدي: (ذكر الذين كفروا وأفعال تكذيبهم، كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب).
والدأب: المثابرة في العمل والتعب فيه، ثم استخدمته العرب في الشأن والأمر والعادة. قال الربيع: (﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾، يقول: كسنتهم). وقال الضحاك: (كعمل آل فرعون). وقال مجاهد: (كفعل آل فرعون، كشأن آل فرعون). وقال ابن عباس: (كصنع آل فرعون). والمقصود أن الكافرين لا تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم بل يهلكون ويعذبون كما جرى لآل فرعون والأمم المكذبة قبلهم، فإن الله ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ والأخذ والعذاب لمن سلك طريقتهم.
١٢ - ١٣. قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ

(١) حديث حسن. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٢٥/ ٢٧ - ٢٨)، وانظر تفسير ابن كثير - سورة البقرة - آية (١٠)، وانظر: "صحيح الترغيب" (١/ ١٣٣)، كتاب العلم.


الصفحة التالية
Icon