اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣)}.
في هذه الآيات: قل يا محمد للذين كفروا - من اليهود والمشركين - ستغلبون في الدنيا وتحشرون إلى جهنم يوم القيامة. فقد كان لكم عبرة وتفكر في فرقتين التقتا للحرب: فرقة الإيمان يوم بدر، وفرقة الكفر التي تظهر للعين مثلي قوة المسلمين، ومع ذلك فقد نصر الله المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
أخرج ابن هشام وابن جرير بسند مرسل عن عاصم بن عمر بن قتادة: [أن رسول الله - ﷺ - لما أصاب من أهل بدر ما أصاب، ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع، وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يُصيبكم الله بما أصاب قريشًا. فقالوا: يا محمد لا يغُرنَّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا؟ فأنزل الله في ذلك قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ - إلى قوله - ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾] (١).
وروى ابن جرير عن عكرمة في قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾: (قال فِنْحاص اليهودي في يوم بدر: لا يغرَّن محمدًا أن غلب قريشًا وقتلهم! إن قريشًا لا تُحسنُ القتال، فنزلت هذه الآية: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾).
وعن مجاهد: (﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾، قال: بئسما مَهدُوا لأنفسهم).
وقوله: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾. قال قتادة: (عبرة وتفكر). ﴿فِي فِئَتَيْنِ﴾ يعني فرقتين وحزبين، ﴿الْتَقَتَا﴾ للحرب. ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ هم رسول الله - ﷺ - ومن كان معه ممن شهدَ يوم بدر. ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ وهم مشركو قريش.
قال مجاهد: (ذلك يوم بدر، التقى المسلمون والكفار).

(١) أخرجه ابن هشام في "السيرة" (٢/ ٤٢٧)، وابن جرير في "التفسير" (٦٦٦٤)، والبيهقي في الدلائل (٣/ ١٧٤) عن قتادة مرسلًا، ويشهد له ما بعده، فقد أخرجه ابن هشام (٢/ ٤٢٦) والطبري (٦٦٦٣) والبيهقي (٣/ ١٧٣ - ١٧٤) عن ابن عباس وفي سنده محمد بن أبي محمد. قال الذهبي في الميزان: لا يُعرف.


الصفحة التالية
Icon