قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)}.
في هذه الآيات: يخبر تعالى أن للذكور من أولاد الرجل إذا مات حصة من ميراثه، وكذلك للإناث حصة منه، من قليل ما خلّف بعده ووكثيره، وهي حصة مفروضة واجبة معلومة. وإذا حضر هذه القسمة الفقراء ممن لا يرث من القرابة، واليتامى والمساكين، فإن إكرامهم أمر يحبه الله ويجزي به. ثم ليتق الله كل من يوصي أن يضرّ بأحد من الورثة أو بأموال اليتامى فإنه كما يحب لذريته من بعده، كذلك عليه أن يحسن في معاملة من وَليَ أَمْرَه. إن الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم النار مقابل استهتارهم والعياذ بالله.
فعن قتادة، قال: (كانوا لا يُوَرِّثون النساء، فنزلت: ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾). وقال سعيد بن جبير: (كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورِّثون النساء ولا الأطفال شيئًا، فأنزل الله: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ... ﴾... الآية).
وقوله: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾. قال الفراء: (هو كقولك: قسمًا واجبًا، وحقًّا لازمًا، فهو اسم في معنى المصدر فلهذا انتصب). وقال الزجاج: (انتصب على الحال).
وقوله: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾.
المعنى -كما قال الحافظ ابن كثير-: (أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون، واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتوقُ إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ، وهم يائسون لا شيء يُعطونه، فأمر الله تعالى، وهو الرؤوف الرحيم: أن يُرْضَخَ لهم شيءٌ من الوسَط يكون برًا بهم وصدقة عليهم، وإحسانًا إليهم، وجَبْرًا لكسرهم).
قلت: وقد خاض الناس فيما سبق في هذه الآية: مِنْ قائل إنها منسوخة بآية المواريث، ومن قائل: إنها محكمة. والصواب ما ذكر البخاري عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾. قال: هي محكمة، وليست بمنسوخة). وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس قال: (هي قائمة يعمل بها). وقال مجاهد: (هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم).
قلت: والآية تشبه قوله تعالى في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ