وعلى الآخر: "لا تَفْعَلْ"، والثالث غُفْل ليس عليه شيء. وقيل مكتوب على أحدها: "أمرني ربي"، وعلى الآخر: "نهاني ربي"، والثالث دون شيء. فإذا أجالها فخرَج السهم الآمر فَعَل، أو الناهي ترك، وإن ظهر الذي ليس عليه شيء أعاد الاستقسام.
والاستقسام مأخوذ من طلب القَسْم من الأزلام، والأزلام: جمع زَلَم أو زُلَم.
قال ابن عباس: (والأزلام قِداحٌ، كانوا يستقسِمون بها في الأمور).
وقال سعيد بن جبير: (﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾: القداح، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحًا للجلوس والخروج. فإن وقع الخروج خرجوا، وإن وقع الجلوس جلسوا). وقال أيضًا فيها: (حصىً بيض كانوا يضربون بها). وقال مجاهد: (حجارة كانوا يكتبون عليها، يسمونها "القِداح").
أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [إن رسول الله - ﷺ - لما قدِمَ أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فَأُخرِجَتْ، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيلَ في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله - ﷺ -: قاتلهم الله، أمَا والله لقد عَلِموا أنهما لم يستقسِما بها قط] (١).
وفي صحيح البخاري أيضًا - من حديث سراقة بن مالك في قصة لحاقه بالنبي - ﷺ - وصاحبه أثناء الهجرة -: [فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام، فاستَقْسَمْتُ بها: أضُرّهم أمْ لا؟ فخرَج الذي أكْرَه، فركبت فرسي وعَصَيْتُ الأزلام] (٢).
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لن يلجَ الدرجات العُلا من تكهَّنَ، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيُّرًا] (٣).
وقوله: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾.
قال ابن عباس: (يعني: من أكل من ذلك كله فهو فسق). فيدخل في ذلك أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وكل ما ذكر من المحرمات في الأكل، والاستقسام بالأزلام. فإن الله سبحانه قد حرّم الخبائث واباح الطيبات، ونهى عن كل ألوان الشرك وأمو بالتوكل عليه وإقامة منهاج التوحيد.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٩٠٦) - كتاب مناقب الأنصار- وهو ضمن حديث طويل.
(٣) حديث حسن. أخرجه الطبراني كما في المجمع (٥/ ١١٨) ح (٨٤٨٧). وانظر صحيح الجامع الصغير -حديث رقم- (٥١٠٢). وإسناده حسن.