وقوله: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾. أي يسكت عن أشياء أخرى مما غيّروا وبدلوا وحرّفوا لا فائدة ببيانها.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾.
قال ابن جرير: (يعني بالنور محمدًا - ﷺ - الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك،.. ومن إنارته الحق، تبيينه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من لكتاب. وقوله: ﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾، يقول جل ثناؤه: قد جاءكم من الله تعالى النور لذي أنار لكم به معالم الحق، ﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾، يعني كتابًا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم: من توحيد الله، وحلاله وحرامه، وشرائع دينه، وهو القرآن الذي أنزله على نبينا محمد - ﷺ -، يبيِّن للناس جميع ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم، ويوضحه لهم، حتى يعرفوا حقَّه من باطله).
وعن السَّدي: (﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾، سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملًا إلا به، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية).
قال القرطبي: (قوله ﴿مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾ أي: ما رضيه. ﴿سُبُلَ السَّلَامِ﴾: طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة، والمؤمنة من كل مخافة، وهي الجنة).
وقوله: ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
أي من ظلمات الجاهلية والكفر إلى نور الحق والإسلام.
وقوله: ﴿بِإِذْنِهِ﴾.
قال ابن جرير: (تحبيبُه إياه الإيمان، برفع طابع الكفر عن قلبه، وخاتم الشرك عنه، وتوفيقه لإبصار سُبل السلام).
فمن باشر السير في طريق رضوان الله سبحانه، هيّأَ له سُبلًا من الخير والتوفيق والإلهام، وأسبابًا لسعادة الدنيا والآخرة.
وأصل الهداية في لغة العرب من الهدى، وهو الرشاد والدلالة، وهو يذكر ويؤنث.