فقالت مجيبة له: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، الذي ساقه لها وأنعم به وتكرّم عليها.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. خبرٌ من الله أنه يسوق الرزق إلى من يشاء من عباده بغير إحصاء ولا عدد يحاسب عليه عبده، فعنده خزائن السماوات والأرض.
٣٨ - ٤١. قوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَال رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَال كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَال رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَال آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾.
في هذه الآيات: طمع زكريا عليه السلام حين رأى ما رأى من كرم الله على مريم من الرزق والفضل دون تسبب أو تدخل أحد من الآدميين بذلك، فرجا الله أن يرزقه الولد، رغم كبر سنه، وكون امرأته عاقرًا. فنادته الملائكة بالبشرى وهو في محرابه.
قال السدي: (فلما رأى زكريا من حالها ذلك، يعني: فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، قال: إن ربًّا أعطاها هذا في غير حينه، لقادر على أن يرزقني ذرية طيبة! ورغب في الولد، فقام فصلى، ثم دعا ربه سرًّا فقال: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: ٤ - ٦]. وقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾. وقال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾). وقال: (طيبة: يقول مباركة).
وقوله: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾. قال السدي: (وهو جبريل، أو: قالت الملائكة، وهو جبريل، ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾). فإن العرب تخبر أحيانًا عن الواحد بمذهب الجمع.
وقوله: ﴿وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾. أي: حالة قيامه في محراب عبادته، ومحل خَلْوَتِه، ومجلس مناجاته وصلاته، فبشرته بولد من صلبه اسمه يحيى.