قال قتادة: (إنما سمي يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان).
وقوله: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾. قال قتادة: (مصدّقًا بعيسى بن مريم، وعلى سنته ومنهاجه). وقال الضحاك: (كان يحيى أول من صدق بعيسى وشهد أنه كلمة من الله، وكان يحيى ابن خالة عيسى، وكان أكبر من عيسى).
وقوله: ﴿وَسَيِّدًا﴾. قال سعيد بن جبير: (السيد التقي). وقال قتادة: (أي: والله، لسيد في العبادة والحلم والعِلم والوَرَع). وقال مجاهد: (السيد الكريم على الله). وقال ابن زيد: (السيد الشريف). وقال سعيد بن المسيب: (السيد الفقيه العالم). وقال عكرمة: (السيد الذي لا يغلبه الغضب).
وخلاصة المعنى: إن الله أخبر أنه يبشره بيحيى مصدقًا بهذا، وسيدًا: أي شريفًا في العلم والورع والحلم والعبادة.
وقوله: ﴿وَحَصُورًا﴾. يروي ابن جرير عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: (الحصور: الذي لا يأتي النساء). وقال الربيع: (هو الذي لا يولد له). وقال الضحاك: (هو الذي لا يولد له ولا ماء له). وقال السدي: (الحصور الذي لا يريد النساء).
قال الحافظ ابن كثير: (وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه كان حصورًا ليس كما قال بعضهم: إنه كان هَيُوبًا، أو لا ذَكَرَ له، بل قد أنكر هذا حُذّاق المفسرين، ونُقّاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصةٌ وعيب، ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام. وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب، أي: لا يأتيها كأنه حُصِرَ عنها. وقيل: مانعًا نفسه من الشهوات. وقيل: ليست له شهوة في النساء. وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة، ثم قمعها: إما بمجاهدة كعيسى، أو بكفاية من الله عزَّ وجلَّ كيحيى عليه السلام، ثم هي في حق من قدر عليها، وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه، درجةٌ عليا، وهي درجة نبينا - ﷺ - الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة، بتحصينهن، وقيامه عليهن واكتسابه لهن، وهدايته إياهن. بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره).
ثم قال ابن كثير: (والمقصود أن مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء، بل معناه كما قال هو وغيره: أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء