وقوله: ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، فيه أقوال متكاملة، مفادها أن الأرض المقدسة هي بيت المقدس.
١ - قال مجاهد: (﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾: الطور وما حوله).
٢ - قال قتادة: (﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾: هي الشأم).
٣ - قال ابن زيد: (﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ قال: أريحا) - والمراد بيت المقدس.
٤ - وقيل: إن ﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾، دمشق وفلسطين وبعض الأرْدن. ذكره ابن جرير، ثم روى عن مجاهد: (﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ قال: المباركة).
قال ابن كثير: (قال تعالى مخبرًا عن تحريض موسى - عليه السلام - لبني إسرائيل على الجهاد والدخول إلى بيت المقدس، الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب، لما ارتحل هو وبَنُوه وأهله إلى بلاد مصر أيام يوسف - عليه السلام - ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا مع موسى، فوجدوا فيها قومًا من العمالقة الجبارين، قد استحوَذُوا عليها وتملكوها، فأمرهم رسول الله موسى - عليه السلام - بالدخول إليها، وبقتال أعدائهم، وبَشَّرهم بالنصرة والظَّفَر عليهم، فنكَلُوا وعَصَوا وخالفوا أمره، فعوقبوا بالذهاب في التيه والتمادي في سَيْرهم حائرين، لا يدرون كيف يتوجَّهونَ فيه إلى مَقْصِدٍ مُدّةَ أربعين سنة، عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى، فقال تعالى مُخبرًا عن موسى أنه قال: ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ أي: المُطَهَّرَة).
وقوله: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾.
قال القرطبي: (أي فرض دخولها عليكم ووعدكم دخولها وسكناها لكم). والقصود أنَّ الله سبحانه قد وعدهم دخولها على لسان أبيهم إسرائيل أنه وراثةُ من آمن منكم.
وقوله: ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾
تحذير لهم من تضييع الجهاد وتركه والركون إلى الدنيا. ولذلك قال: ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾.
فاعتذروا عن الدخول والقتال بقولهم إن فيها رجالًا عمالقة ذوي خِلَق هائلة وقوى شديدة: ﴿قَالوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾. يريدون بذلك أن لا طاقة لهم على الصمود أمامهم ولا مصاولتهم، فإن خرجوا دخلوها آمنين مستقرين. فلما نكلَ بنو إسرائيل عن طاعة الله ورسوله


الصفحة التالية
Icon