موسى - ﷺ -: ﴿قَال رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
أي حثّهم على الجهاد رجلان صالحان منهم ممن يخاف بأس الله وعقابه، قد أنعم الله عليهما بالإيمان واليقين والصلاح، فأشارا إلى بني إسرائيل أن لا يهولَنَّكُم عظم أجسامهم فقلوبهم مُلئت رُعبًا وحرصًا على الدنيا، فالأجسام عظيمة والقلوب خاوية ضعيفة، وهذا شأن الكفار على مدار الزمان، فثقوا بالله وأقدموا، وقد وعد الله المؤمنين المتوكلين عليه النصر والظفر.
فأجابوا مرّة أخرى بالجبن والخوف، وبالموقف المخزي في تاريخهم مع موسى عليه السلام الذين قاسى منهم الكثير، ومن ضعف إيمانهم وتردد قلوبهم وظهور النفاق الذي تكشفه الشدائد: ﴿قَالوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾.
ومن هنا تدرك أفضلية هذه الأمة - أمة محمد - ﷺ - يوم عُرضت عليها الشدائد كما عرضت على بني إسرائيل قبلها، فأجابوا بقوة الدين والصدق عند اللقاء، النابع من علو الثقة بالله ونصره: (والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون). فإلى استعراض هذه الصفحات المشرقة والمواقف المشرفة من تاريخ هذه الأمة:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس: [أن رسول الله - ﷺ - شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان (١) قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغُمَاد لفعلنا، قال: فندب رسول الله - ﷺ - الناس فانطلقوا] (٢).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أنس: [أن
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٧٧٩) - كتاب الجهاد والسير. وانظر كتابي: السيرة النبوية (١/ ٥٣١). وبرك الغماد: موضع بعيد باليمن، وقيل بل هي مدينة بالحبشة.