رسول الله - ﷺ - لما سار إلى بدر استشار المسلمين، فأشار عليه عُمر، ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشرَ الأنصار، إياكم يريدُ رسول الله - ﷺ -. قالوا: إذن لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، والذي بعثك بالحق لو ضَرَبْتَ أكبادها إلى بَرْكِ الغُمَاد لاتبعناك] (١).
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد والبخاري - واللفظ لأحمد - عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله - هو ابن مسعود - رضي الله عنه: [لقد شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون أنا صاحبَه أحبُّ إليّ مما عُدِلَ به: أتى رسول الله وهو يدعو على المشركين، فقال: والله - يا رسول الله - لا نقولُ كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يَسارك، ومن بين يديك ومن خلفِكَ. فرأيت وَجْهَ رسول الله - ﷺ - يُشْرِقُ لذلك، وسَرَّه بذلك] (٢).
الحديث الرابع: يروي ابن إسحاق بسند صحيح إلى ابن عباس، وكذلك الطبراني بسند حسن، وبنحوه البيهقي وأحمد في خبر أحداث بدر، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم، فاستشار الناس (٣)، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر الصديق، فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب، فقال وأحسن، ثم قام المقدادُ بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤)﴾. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغُمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تَبْلغه، فقال له رسول الله - ﷺ - خَيْرًا، ودعا له به] (٤).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (١/ ٣٨٩ - ٣٩٠)، وانظر صحيح البخاري (٣٩٥٢)، (٤٦٠٩)، بلفظ قريب، وكذلك ما أخرجه النسائي في "التفسير" (١٦٠).
(٣) وهذه هي الاستشارة الثانية من النبي - ﷺ - لأصحابه يوم بدر، وكانت قبل بدء المعركة.
(٤) حديث صحيح. انظر سيرة ابن هشام (١/ ٦١٤ - ٦١٥) بإسناد صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالسماع. وأخرجه الطبراني بسند حسن. انظر تفصيل الروايات في كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (١/ ٥٣٠ - ٥٤١).