وقوله تعالى: ﴿قَال رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: اقض بيني وبينهم). وقال السدي: (غضب موسى - ﷺ - حين قال له القوم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، فدعا عليهم فقال: ﴿قَال رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾).
والمعنى: لقد غضب موسى عليه الصلاة والسلام حين أظهروا الخوار والضعف وعدم الأهلية لحمل الأمانة وراية الجهاد، فقال داعيًا: رب إني لا أقدر على أحد أن أحمله على أمرك لقتال عدوك إلا نفسي وأخي، فافصل بيننا وبين هؤلاء القوم الخارجين عن طاعتك بما تحب وترضى لهم. فأجابه الله سبحانه:
﴿قَال فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾. أي: قضى الله عليهم أن حرَّم عليهم - حين أبوا حَرْب الجبارين - دخول مدينتهم أربعين سنة، فوقعوا في التيه يسيرون دائمًا لا يهتدون للخروج منه، وقيل هنا حصل لهم من الخوارق العجيبة: كتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وإخراج الماء الجاري من صخرة صماء تُحمل معهم على دابة، فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينًا تجري لكل شَعْبٍ عين، والله تعالى أعلم.
وأصل التِّيه في لغة العرب الحَيرة، يقال: تاه يتيه إذا تَحَيَّرَ، والأرض التَّيْهاء هي الأرض التي لا يُهتدى فيها، فكانت عقوبة من الله لبني إسرائيل مقابل نكولهم عن الجهاد وركونهم إلى الدنيا والشهوات، أن حرّم عليهم دخول مدينتهم أربعين سنة يتيهون، ثم فتحها عليهم وأسكنهموها وأهلك الجبارين بعد حرب منهم لهم، بعد انقضاء الأربعين سنة وخروجهم من التيه.
وعن السدي: (لما ضُرب عليهم التّيه، ندم موسى - ﷺ -، فلما ندم أوحى الله إليه: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾، لا تحزن على القوم الذين سمّيتهم فاسقين، فلم يحزن).
وهذه الآيات تحمل الدرس البليغ لهذه الأمة أَنَّ تركها الجهاد هو تشبه منها بأمة يهود التي حلّ بها غضب الله سبحانه وعقوبته، عندما جبنوا عن لقاء عدوهم، وخافوا على دنياهم، فالجهاد عِزُّ المسلمين وشوكتهم إلى يوم القيامة.
أخرج الطبراني في "الأوسط" بسند صحيح عن أبي أمامة عن النبي - ﷺ - قال: [عليكم