وقال قتادة: (زينت له نفسه قتل أخيه فقَتله).
وأصل "طوّعت" من الطوع: وهو الانقياد. أي آتته نفسه وساعدته عليه. قيل: قتله بحديدة في يده، وقيل بل وجده نائمًا فشدخ رأسه بصخرة، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
وقوله: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
أي في الدنيا والآخرة، فقد وقع في شباك ذنبه فلا رجوع ولا استئناف، إذ ترك نفسه للشيطان فتسلَّط عليها حتى أوقعه.
وفي القصة فوائد كثيرة أخبرنا بها نبيِّنا - ﷺ -:
الفائدة الأولى: تحريم التقاء المسلمين بالسلاح.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي بكرة عن النبي - ﷺ - قال: [إذا تواجَهَ المسلمان بسيفيهما، فانقاتل والمقتول في النار. قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه] (١).
الفائدة الثانية: اعتزال الفتن وعدم المشاركة فيها.
فقد أخرج أبو داود وابن ماجة بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن بينَ يدي الساعةِ فِتَنًا كَقِطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، القاعدُ فيها خير من القائم، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، فكسروا قسيكم، وقَطعوا أوتاركُمْ، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دُخِل - يعني: على أحد منكم - فليكن كخير ابْنَي آدم] (٢).
وفي مسند الإمام أحمد عن بُسر بن سعيد، أن سَعْدَ بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان: أشهد أن رسول الله - ﷺ - قال: "إنها ستكون فتنة، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي. قال: أفرأيت إن دَخَلَ عليَّ بيتي

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٣١)، (٧٠٨٣)، وأخرجه مسلم برقم (٢٨٨٨)، ورواه أحمد في المسند (٧/ ٤٦)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود -حديث رقم- (٣٥٨٢) - باب في النهي عن السعي في الفتنة، وسنن ابن ماجة (٣٩٦١). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon