وقوله: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾.
قال القرطبي: (حيث رأى إكرام الله هابيل بأن قيض له الغراب حتى واراه، ولم يكن ذلك ندم توبة. وقيل: إنما ندمه كان على فقده لا على قتله، وإن كان فلم يكن موفيًا شروطه. أو ندم ولم يستمر ندمه).
قال ابن عباس: (ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه).
قلت: ويؤيد هذا ما أخرج الطبراني عن أبي سعيد الأنصاري، عن النبي - ﷺ - قال: [الندم توبة، والتائب من الذَّنْبَ كمن لا ذنب له] (١).
فلو استوفى العبد لشروط التوبة - وأهمها الندم على ما وقع منه يعقبه الاستغفار والعزم على ألا يعود، تاب الله عليه وقبل منه.
٣٢ - ٣٤. قوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)﴾.
في هذه الآياتِ: تشريع القصاص على بني إسىرائيل من أثر جناية ابن آدم القاتل ظلمًا، وَبِأَنَّ سَفْكَ دَمٍ ظلمًا هو بمثابة سفك للدماء وانتشار للفساد والهرج في الأرض إن لم يُردع بحد القصاص، فحياة النفس هي حياة للنفوس جميعًا، ثم في الآياتِ تشريع حد المحاربة والإفساد في الأرض: القتل والصلب وقطع اليد والرِّجل من خلاف