السبب الثاني:
أخرج أبو داود والنسائي واللفط للنسائي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الآية قال: [نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يُقدر عليه، لم يكن عليه سبيل، وليست هذه الآية للرجل المسلم، فمن قتل وأفسد في الأرض، وحارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يُقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يُقام فيه الحَدُّ الذي أصاب] (١).
والمحاربة: هي المضادّة والمخالفة. قال ابن كثير: (وهي صادِقَةٌ على الكفر، وعلى قَطْعِ الطويق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يُطلق على أنواع من الشر). وقد جاء في تفسيرها أقوال متقاربة ومتكاملة:
١ - قال قتادة وعطاء: (هذا اللص الذي يقطع الطريق، فهو محارب) - وهو قول الأوزاعي.
٢ - قال الوليد بن مسلم: وأخبرني مالك: (أن قتل الغيلة عنده بمنزلة المحاربة). قلت: وما قتل الغيلَة؟ قال: (هو الرجل يخدَع الرجلَ والصبيَّ فيدخِله بيتًا أو يخلو به، فيقتله، ويأخذ ماله. فالإمام وليّ قتل هذا، وليس لولي الدم والجرح قَوَد ولا قصاص). وهو قول الشافعي.
٣ - قال مجاهد: (الزنا، والسرقة، وقتل الناس، وإهلاك الحرث والنسل).
٤ - قال أبو حنيفة: (لا تكون المحاربة إلا في الطرقات، فأما في الأمصار فلا، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث، بخلاف الطريق لِبُعده ممن يُغِيثُه ويُعينه).
قلت: والراجح أن الحرابة هي خروج طائفة مسلمة في دار الإسلام، لإحداث الفوضى، وسفك الدماء وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل، متحدِّية بذلك الدين والأخلاق والنظام والقانون (٢).
وقوله: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾.
يبدو أن الأمر للتخيير، وهو يرجع إلى قرار الحاكم المسلم، وبه قال الإمام مالك.
(٢) انظر فقه السنة (٢/ ٣٩٣)، وكتاب "الوجيز" ص (٤٤٤) في حدّ الحرابة.