الله جل وعز: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾). وقال الضحاك: (إنه ينفى ولا يخرج من أرض الإسلام).
٣ - وقيل: (النفي من الأرض هنا الحبس) - وهو قول أبي حنيفة.
قال ابن جرير: (هو نفيه من بلد إلى بلد غيره، وحبْسُه في السجن في البلد الذي نفي إليه، حتى تظهر توبته من فسوقه، ونزوعه عن معصية ربِّه).
قلت: وكل ما سبق محتمل، والقرار في اختيار الشكل يعود للحاكم.
وقوله: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)﴾.
أي هو لهؤلاء المحاربين شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة، فإن لم يتوبوا كان ينتظرهم عذاب أشد خزيًا في نار جهنم.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
هذه الآية تؤيد أن المحاربة هي من خروج طائفة مسلمة في دار الإسلام لإحداث الفوضى من سفكٍ للدماء أو سلبٍ للأموال، أو هَتْكٍ للأعراض، أو غير ذلك على ما سبق بيانه. قال القرطبي: (ومعلوم أن الكفار لا تختلف أحوالهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما تسقط قبل القدرة. والمرتد يستحق القتل بنفس الردة - دون المحاربة - ولا يُنفى ولا تُقطع يده ولا رجله ولا يخلّى سبيله بل يقتل إن لم يُسلم، ولا يصلب أيضًا).
وقال القاسمي: (دلَّ قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ على أن توبة المحاربين قبل الظفر بهم تسقط عنهم حد المحاربين المذكور في الآية. سواء كانوا مشركين أو مسلمين).
وقال ابن كثير: (أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك، فظاهر). أي: فإنهم إذا آمنوا قبل القدرة عليهم، سقط عنهم جميع الحدود المذكورة. فلا يطالبون بشيء مما أصابوا من مالٍ أو دم. قال: (وأما المحاربون المسلمون، فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم انحتام القَتْل والصَّلْب وقطع الرجل، وهل يسقط قطعُ اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة).
قال القرطبي: (استثنى جل وعز التائبين قبل أن يقدر عليهم، وأخبر بسقوط حقه


الصفحة التالية
Icon