الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)}.
في هذه الآيات: تبشيرُ الملائكة مريم باصطفاء الله تعالى لها، وَحَثُّها على الإقبال على شكره سبحانه والركوع له والسجود.
قال مجاهد: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ﴾: جعلك طيبة إيمانًا). والمقصود أن الله سبحانه قد اختارها واجتباها لطاعته وخصّها بكرامته، فقد عرفت بكثرة عبادتها وزهادتها وطهارتها من الأكدار والوساوس.
وقوله: ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ﴾. قال ابن جريج: (ذلك للعالمين يومئذ).
قلت: وقد ثبتت كرامتها على نساء العالمين، هى وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وابنتها فاطمة، في السنة الصحيحة، في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [خير نسائها مريم بنت عِمْران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم وأحمد عن أبي موسى قال: قال رسول الله - ﷺ -: [كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران - زاد ابن مردويه: (وخديجة بنت خويلد) - وإن فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد على سائر الطعام] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن أنس، عن النبي - ﷺ - قال: [خير نساء العالمين أربع: مريمُ بنتُ عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون] (٣). ورواه الترمذي بلفظ: [حَسْبُك من نساء العالمين مريم........ ].

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٤٣٢)، ومسلم (٢٤٣٠)، وأحمد (١/ ٨٤ - ١٣٢)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح البخارى (٣٤١١)، (٥٤١٨)، وصحيح مسلم (٢٣٣١)، ومسند أحمد (٤/ ٣٩٤)، (٤/ ٤٠٩) وصحيح ابن حبان (٧١١٤)، وصحيح الجامع (٤٤٥٤).
(٣) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (٣/ ١٣٥)، ومستدرك الحاكم (٣/ ١٥٧)، وانظر صحيح الجامع (٣٣٢٣)، وكتابي: السيرة النبوية (١/ ١٠٢) في فضائل خديجة.


الصفحة التالية
Icon