الحديث الرابع: أخرج الإمام مسلم عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ﴾. قال: وكان أبو هريرة يحدِّث عن رسول الله - ﷺ -: [خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد في صِغَرِه، وأرعاه على زَوْجٍ في ذات يده، ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط] (١).
وقوله: ﴿يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾. هو اختصاصٌ من الله لها إذ أمر الملائكة أن يأمروها بكثرة العبادة والخشوع والركوع والسجود والدأب في العمل لها، لما في ذلك من رفعة لها في الدارين.
وقوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾. أي: حجة لك أمام خصومك من أهل الكتابين، وتحقيقًا لصدقك، إذ: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾.
قال قتادة: (كانت مريم ابنة إمامهم وسيّدهم، فتشاحَّ عليها بنو إسرائيل، فاقترعوا فيها بسهامهم أيُّهم يكفلها، فقرعهم زكريا، وكان زوجَ أختها، ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾، يقول: ضمّها إليه).
وقال الضحاك: (اقترعوا بأقلامهم أيّهم يكفل مريم، فقرعهم زكريا).
وعن محمد بن جعفر بن الزبير: (﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾، أي: ما كنت معهم إذ يختصمون فيها. يخبره بخفيّ ما كتموا منه من العلم عندهم، لتحقيق نبوته والحجة عليهم لما يأتيهم به مما أخفوا منه).
٤٥ - ٤٧. قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَال كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)﴾.
في هذه الآيات: بشَّرت الملائكة مريم عليها السلام بولد عظيم يوجد منها، سيكون

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (٢٥٢٧)، من طريق عبد الرزاق (٢٠٦٠٣)، وأخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢٧٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon