النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)}
في هذه الآيات: التقريع على اليهود الخارجين عن طاعة الله ورسوله، المتحاكمين لأهوائهم وما تعارفوا عليه في أقوامهم، المعرضين بذلك عن حدود الله وتعظيمها.
بيان أسباب النزول:
السبب الأول للنزول:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب قال: [مُرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- بيهودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلودًا، فدعاهم فقال: هكذا تجدون حَدَّ الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: أَنْشُدُكَ بالله الذي أَنْزَلَ التوراة على موسى! أهكذا تجدون حَدَّ الزاني في كِتابِكُم؟ قال: لا، ولولا أنك نَشَدْتني بهذا لم أخبركَ، نَجِدْهُ الرَّجْمَ، ولكنه كثُرَ في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف، أقَمْنا عليه الحَدّ، قلنا: تَعَالوا فلنَجْتَمِعْ على شيءٍ نُقيمُهُ على الشريف والوَضِيع، فجعلنا التحميم والجَلْدَ مكانَ الرَّجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم إني أَوَّلُ من أَحْيا أَمْرَك إذ أماتوه. فأمَرَ به فَرُجم، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ﴾. يقول: ائتوا مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-، فإن أَمَرَكُم بالتحميم والجَلْدِ فخذوه، وإن أفتاكم بالرَّجْمِ فاحذروا، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ في الكفار كُلُّهَا] (١).
السبب الثاني للنزول:
أخرج أبو داود والنسائي بسند صحيح عن ابن عباس، قال: [كان قريظة، والنضير، وكان النضيرُ أشرفَ من قريظة، فكان إذا قَتَل رجل من قريظة رجلًا من