عبد الله بن كثير: ﴿فِي مَا آتَاكُمْ﴾، يعني: من الكتاب). وقال ابن جريج: (ليبلوكم فيما آتاكم من الكتب).
وقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.
أي: سارعوا إلى الطاعات، وبادروا إلى الأعمال الصالحات، فالمرد إلى الله سبحانه وهو يفصل بين عباده يوم القيامة، فيجازي المحسنين بإحسانهم، والعصاة والمجرمين، بآثامهم.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾.
المعنى: أقم حكم القرآن في الأمة يا محمد، واحذر أعداءك اليهود الذين يمكرون لئلا تقيم فيهم أمر الله، فإن أعرضوا عن الامتثال للحق فاعلم أن الله قد كتب ذلك وقدّره عقوبة لهم نتيجة تماديهم واستهتارهم ليصرفهم عن الهدى فقد تراكمت ذنوبهم وأقفلت قلوبهم، وإن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم.
وفي التنزيل: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
وكذلك قال سبحانه: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣].
وهذه الآيات وأمثالها تفيد أن الكثرة في الغالب ليست في موضع المدح، وأن القلة المؤمنة الصادقة هي الممدوحة في القرآن، سنة الله في عباده، فإن الجنة قد حفت بالمكَاره، وحفت، النار بالشهوات.
وقوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
قال أبو السعود: (إنكار وتعجيب من حالهم وتوبيخ لهم).
والمعنى: أيعدلون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية. فليس من حق أحد أن يضع قوانين وتشريعات للناس إلا الخالق سبحانه، ومن ثم فمن جعل من نفسد أو غيره مشرعًا لقوانين وأنظمة لم يأذن بها الله فقد أشرك بالله، ودعا إلى عبادة غير الله. قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١].
وقال جل ذكره: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾.


الصفحة التالية
Icon