٨ - ثم استعمله بالعمل نفسه على أهل مكة، فبَتَرَ بذلك الاستهزاء بالتأذين من نفسه إلى الأبد، إذْ أصبح قائمًا على هذا العمل فكيف يهزأ بنفسه؟ !
فهذه لمسات من بعض أساليب التربية النبوية في معالجة أمراض السلوكية، وقد بسطت بذلك القول في كتابي: "الأمراض النفسية وعوامل الشد إلى الخلف"، ولله الحمد والمنة.
٥٩ - ٦٣. قوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)﴾.
في هذه الآيات: يقول جل ثناؤه: قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين بدينكم من أهل الكتاب: هل يحملكم على ذلك إلا أن صدقنا وأقررنا بالله فوحدناه، وبما أنزل إلينا من القرآن، وبما أنزل إلى المرسلين قبلنا، وإلاّ أَنَّ أكثركم عاصون لله خارجون عن طاعته. فهل أنبئكم يا معشر أهل الكتاب بشِرٍّ من جزاء ما تنقمون منا من الإيمان -إنه من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم المُسوخ القردة والخنازير غضبًا من الله وسخطًا وخزيًا عاجلًا في الدنيا قبل الآخرة-. فهؤلاء شر مكانًا ممن نقمتم عليهم من المؤمنين، وأنتم معشر اليهود أضل عن قصد الطريق وَأَجْوَرُ عن سبيل الهدى والرشاد. وإذا جاءكم -أيها المؤمنون- هؤلاء المنافقون من اليهود قالوا آمنا بألسنتهم، وما تبطن صدورهم هو الكفر والله أعلم بما يبطنون. ثم إن أكثرهم يسارعون بالمعصية والبغي وأكل الرشوة وسيِّيء العمل، فأين علماؤهم لينهوهم عن ذلك ويحذروهم سيِّيء ما كانوا يعملون.


الصفحة التالية
Icon