ترى يهوديًّا غير لئيم. وفي الكلام على هذا القول إضمار الواو، أي قالوا: يد الله مغلولة وغلت أيديهم. واللعن الإبعاد).
فيكون المعنى: كذب اليهود المتجرئون على صفات الله سبحانه، فهم البخلاء الفاسدون المنعوتون بصفات الشح والبخل والطمع والبغي، والله تعالى هو الواسع الفضل الجزيل العطاء الكثير النعم، فنعمه لا تحصى، وكرمه على عباده لا حدود له، وعنده خزائن السماوات والأرض ينفق كيف يشاء وهو الحكيم الكريم المتعال.
قال في سورة إبراهيم: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)﴾.
وقال فيِ سورة لقمان: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً... (٢٠)﴾ [لقمان: ٢٠].
قلت: وضلّ قوم أَوَّلوا صفة اليد بالنعمة أو القدرة، فبماذا يستقيم على زعمهم قوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ﴾ هل يقال بل قدرتاه أو نعمتاه حينئذ! هذا مما لا يستقيم في لغة العرب. والحق أن هذه الآية تثبت صفة اليدين لله العظيم، كما تثبتها الآية الأخرى في سورة (ص): ﴿قَال يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (٧٥)﴾. وقد جاءت السنة الصحيحة بإثبات ذلك لله كما يليق بجلاله وكماله -أي: دون تشبيه ولا تعطيل- بل كلتا يديه يمين سبحانه وتعالى، كما ثبت في الصحيح.
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إنَّ يمين الله مَلأى لا يَغيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ، الليلَ والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقُصْ ما في يمينه، وعَرشُهُ على الماء، وبيده الأخرى الفَيضُ -أو القَبْضُ- يَرْفعُ ويخْفِض] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [احتَجَّ

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨٢٧)، كتاب الإمارة. باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٧٤١٩) كتاب التوحيد. وانظر (٤٦٨٤) منه. وأخرجه مسلم (٩٩٣) ح (٣٧)، وأحمد (٣/ ٣١٢)، وابن حبان (٧٢٥)، والترمذي (٣٠٤٥).


الصفحة التالية
Icon