هذا في قوم موسى. وقال في أتباع عيسى: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧].
قال ابن كثير: (فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد، وهو أوسط مقامات هذه الأمة، وفوق ذلك رتبة السابقين، كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا... ﴾ الآية [فاطر: ٣٢ - ٣٣]. والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة يدخلون الجنة).
٦٧. قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)﴾.
في هذه الآية: يأمر الله سبحانه نبيّه -صلى الله عليه وسلم- بإقامة البلاغ المبين لهذا التنزيل العظيم والوحي الكريم، ومن ثم فإن أحدًا لن يستطيع أن يتسلط عليه بأذى، فهو في عصمة الله وحمايته، والله هو يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو أعلم بمن يستحق الفضل والهداية.
أخرج ابن حبان في صحيحه، بسند حسن عن أبي هريرة قال: [كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل منزلًا نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة، ثم دنا من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو نائم فأيقظه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الله. فأنزل الله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾] (١).
قلت: ولا شك أن البلاغ المبين لهذا الدين عصمة للمؤمن من الله، يجد بركته في حياته، ونوره في قبره، وغبطته وسروره في أهله، ونجاته وفوزه يوم القيامة. وقد بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولقي هذا الدين أتم البلاغ وجاهد من أجل ذلك أرفع الجهاد، وتحمل في ذات الله