الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر -في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته يومئذ: [أيها الناس، إنكم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهدُ أنك قد بَلَّغْتَ وأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فجعل يرفَعُ إصْبَعَهُ إلى السماء وينكتها إليهم ويقول اللهم هل بَلّغت، اللهم هل بلغت. وفي لفظ: فقال بإصبعه السبّابة، يرفعها إلى السماء ويَنْكتُها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد. ثلاث مرات] (١).
الحديث الثالث: أخرج ابن أبي حاتم عن هارون بن عَنترة، عن أبيه قال: [كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال له: إن ناسًا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئًا لم يُبدِه رسِول الله -صلى الله عليه وسلم- للناس. فقال: ألم تعلم أن الله تعالى قال: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾، والله ما وَرَّثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوداءَ في بيضاء] (٢).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
أي: يمنعك من أن ينالوك بسوء أو أذى، فأنت في حفظ الله وكلاءته وتأييده. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحرس عند وصوله المدينة قبل نزول هذه الآية.
أخرج الترمذي بسند حسن عن عائشة قالت: [كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحرس حتى نزلت هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فأخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا، فقد عصمني الله] (٣).
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [سَهِرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَقْدَمَهُ المدينة ليلةً، فقال: ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة. قالت: فبينا نحن

(١) حديث صحيح. وهو جزء من حديث رواه مسلم (١٢١٨) من حديث جابر- في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٢) إسناده جيد، كما ذكر الحافظ ابن كثير في التفسير- سورة المائدة (آية ٦٧). ويشهد له ما في صحيح البخاري من حديث أبي جُحَيفة: [قلت لعلي: هل عندكم شيءٌ من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاكُ الأسير، وألا يُقتلَ مسلم بكافر].
(٣) حديث حسن. أخرجه الترمذي بإسناد حسن من حديث عائشة رضي الله عنها. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٤٤٠). أخرجه الحاكم (٢/ ٣١٣)، وأخرجه الطبري (١٢٢٧٩).


الصفحة التالية
Icon